من نصائح المحدث الشيخ عبد الله الهرري

يوم تذهب سيذهب الذهب

تمر الأيام وتزداد معها الأرقام التي تعبر عن عمرنا، لكن الغريب أن المعاني والمفاهيم التي تعلّمناها يومًا أصبح بعضها كدواة الحبر على طريق الانقراض أو الاختفاء.

لم يعد الصفاء والمباسطة مع الناس معيارًا للطيبة والمحبة وكرم النفس، لم يعد أغلب الناس ينظرون إلى ما يحمل الشخص في نفسه من قيم سامية، وكيف أن فعله يكون مصداق قوله وأن سلوكه مرآة أدبه وأخلاقه.

لم يعد مد يد العون إلى المحتاج وإغاثة الملهوف من الفضائل التي تتبادر إلى أذهان كثير من الناس، بل استبدلها الكثيرون بفكرة ما له لنا وما عليه هو عليه فقط، فإن طلبوا منك كان لسانهم يزخر بمفردات التآخي والبذل ونحوه..، أما إن طلبت منهم جعلوك تلمس معنى ما حكّ جلدك مثل ظفرك، ومعنى في الظلام حتى ظلّك يتخلّى عنك.

عجبًا لأناس ضاعت عندهم المعايير وانـقـلـبت عندهم الـموازين، فأضحى الحكم على الناس يبدأ بالسؤال عن أرصدتهم في البنوك والمداخيل الشهرية وما يملكونه من الذهب والفضة.

عجبًا لأناس انقلبت عندهم المواقف إلى سلع تباع لمن يدفع أكثر، فرخصوا أنفسهم طمعًا بقليل من ذهب أو فضة أو مال فعند هؤلاء الحق وجهة نظر والباطل إن رافقه المال أصبح صوته أعلى صوت حتى يٌخيّل إليك أن الحق لا صوت له.

وهنا السؤال ما الذي أدّى إلى ضياع المعايير وانقلاب الموازين؟

ليس هناك سببٌ واحدٌ لهذا الانقلاب لكن أغلب الأسباب تصبّ في أحد أمرين، الأول هو حبّ المال والتعلق به، وليس معنى هذا السعي المتعارف عليه لتحصيل المال من أجل سدّ الحاجات والنفقات الأساسية، إنما المراد السعي الأعمى خلف المال دون التحري هل جاء من حلال أو من حرام، وحبّ جمعه ومنع أي شخص آخر منه غصبًا، ومن أبرز ما يدلّ على هذا المنحى ما تذخر به المحاكم من قضايا بين الأخوة والأقارب على قضايا الميراث ونحوه، حتى إن البعض لا يتورّع عن القتل بسبب حبّ المال.

أما الأنانية والحسد فهما الوجه الثاني لحبّ المال غالبًا، فمن يريد النعمة لنفسه ويكرهها لك ويعمل بمقتضى ذلك، إنما حاله يشبه حال من يجري خلف الذهب وعقله قد ذهب، فماذا سيقدم له الذهب الذي جمعه من الحرام يوم يوضع في كفن لا جيوب له، فيوم تذهب عن هذه الدنيا سيذهب هذا الذهب إلى من تحبّ أو لا تحبّ….█