من نصائح المحدث الشيخ عبد الله الهرري

من صبر ظفر

حينما ننظر في صفحات حياتنا كثيرًا ما تستوقفنا ومضات مضيئة كانت لحظات نصر وإنجاز بذلنا لأجلها الكثير من الجهد والتعب، ولحظة النصر والإنجاز هي غالبًا تتويج لمسار طويل من الجهد والتعب، وما بين العزم على الإنجاز وتحقيق الإنجاز درب من الصبر والعمل، فالصبر رفيق الأمل ومفتاح تحقيق الأمل هو الجد والعمل.

والصبر الواجب ثلاثة أنواع: الصبر على أداء ما أوجب اللّه من الطاعات، والصبر عما حرّم اللّه أي كفّ النفس عما حرّم اللّه، والصبر على تحمّل البلاء.

فمن أبرز مظاهر النوع الأول من الصبر أي الصبر على أداء ما أوجب اللّه من الطاعات فريضة الحج، فهذه الفريضة العظيمة تتطلّب الكثير من الجهد والتعب، لكن انظروا معي إلى ثمرتها العظيمة إن أدّاها العبد كما أمر اللّه، فقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم: «من حجَّ هذا البيت فلم يرفُث ولم يَفسُق رجع كما ولدته أمّه» رواه البخاري.

أما الصبر عما حرّم اللّه أي كفّ النفس عما حرّم اللّه فإنّه أمر عظيم، ومن أكثر ما يدلّ على حلاوة ثمرة الصبر وعدم الانغماس في ما حرّم اللّه، أن هذا الصبر وإن كان فيه كسر وقهر للنفس لكنه يكون سببًا  لنجاتك من غضب اللّه وعذابه، فساعة صبر عند الغضب قد تغنيك عن ندم طول العمر، فكم سمعنا ونسمع اليوم ما يشيب له الرأس من وبال ترك الصبر والانجرار خلف الغضب، ألم يدفع الغضب ولدًا إلى قتل أبيه وأخيه، فارتكب أكبر الذنوب بعد الكفر وهو قتل النفس المؤمنة بغير حق.

والصنف الثالث هو الصبر على البلاء، وهو دأب الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام، فلقد قال
رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم: «أشدُّ الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل» رواه الطبراني، فهذا سيّدنا أيوب عليه الصلاة والسلام قدوة لنا ورمز للصبر والتوكّل على اللّه فقد ذهب مالُه ومات أولاده وابتلي في بدنه بلاء شديدًا طويلًا لكنه لم يخرج منه الدود لأنّ الأنبياء محفوظون من كلّ الأمراض المنفّرة. فقد صبر وتحمّل عظيم البلاء ولم يقل إلا ما يرضي اللّه، فقد قال تعالى في سورة الأنبياء:
﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَءاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84).

في الختام نقول: إن من سلك طريق النصر وتحمل الضيق وتسلّح بالصبر يصل للفرج وينال الظفر بإذن اللّه، فلا تترك الصبر واجعله رفيقًا…█