من نصائح المحدث الشيخ عبد الله الهرري

قصر من تراب

إن المبدأ الذي يحكم الشروع في أي عمل هو الوصول إلى نتيجة من وراء هذا العمل أو بمعنى آخر بفعل هذا العمل. والتفكّر في هذا المبدأ يضعنا أمام معادلة صعبة لا ترتبط بالمردود المادي الذي نرجوه من أعمالنا بل بالقيمة الحقيقيّة لما صرفنا من جهد ووقت بالمقارنة مع قيمة ما أنجزنا. 

فإن النظر إلى واقع حياة العديد ممن يعيش حولنا، يجعلنا نخلص إلى أن أغلب الأشخاص في هذه الأيّام ونظرًا لتصاعد الرغبة بالشهوات والملذات وامتلاك البيوت والقصور الفاخرة، يمضون معظم أوقاتهم في السعي لتحصيل المال غير آبهين أمِنْ حلال هو أم من حرام إلا من رحم اللّه. وإن تركنا من يخوض في الحرام لوضوح وبال الحرام ومردوده على من خاض فيه، وكفانا للتذكرة ذكر حديث رسول اللّه: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» رواه  البيهقي…. وتفكرنا بمن يعمل بالحلال ليعيش متتبعًا رغباته وشهواته وليس سدًّا لحاجاته، ونظرنا أولًا إلى قيمة ما سينفق وثانيًا إلى قيمة ما سينجز، لوجدنا غالبًا أن عملًا واحدًا لا يكفي لتحقيق الدخل المطلوب للعيش وفقًا لنمط البذخ والترف، وبالتالي سيضطر صاحب هذه الرغبة أن يعمل في عملين على الأقلّ هذا إن كان من أصحاب الاختصاصات المتميّزة والتي تدر على أصحابها الدخل الوفير.

ومعنى هذا أنّه سيقضي ما لا يقلّ عن عشرة إلى ست عشرة ساعة عمل في اليوم، مما يستنفد طاقته ووقته، ويعود إلى بيته وأهله كالميت من شدّة التعب، وهنا السؤال لمن هذا حاله: من سيرعى والديك؟ هل ستتركهما في عجزهما وضعفهما وقد بذلا عمرهما في تربيتك!!! ومن سيرعى زوجتك ويربي أولادك وأنت غائب عنهم؟

إن كان هذا حالك فانظر ماذا ستخسر من أجل هذا القصر: فإن قضيت وقتك تركض لاهثًا خلف المال وتركت خلفك والديك ولم ترعهما، فلقد خسرتهما وخسرت فرصة أن تنال برّهما وفرصة دخولك الجنّة بسببه، فبرّ الوالدين من أحب الأعمال إلى اللّه.

وإن قضيت وقتك تركض لاهثًا خلف المال ولم تغتنم حياتك في هذه الدنيا للاستعداد للآخرة فقد خسرت نفسك أولًا، فأي سعي وأي بذل إن كان مؤدّاه الخسران.

لذا أيّها العاقل لا تضيّع أنفاسك وتراكم خساراتك من أجل لذّة فانية وقصور بالية، فهل من الحكمة أن يضيع عمرك وتخسر نفسك وأهلك وأسرتك، لتبني قصرًا من تراب تاركًا السعي للسعادة الحقيقية ولاهثًا خلف وهم وسراب. █