من نصائح المحدث الشيخ عبد الله الهرري

البكاء على الأطلال

البكاء على الأطلال قيل قديمًا لمن تملّكه اليأس وجلس وحيدًا بعيدًا يبكي على همومه ومصائبه… يتذكر كيف كان وكيف صار… وكيف تحوّلت الأحوال… ينظر لغيره كيف أن أمور دنياه على ما يرام، أما هو فلا يملك من أسباب السعادة الدنيوية شيئًا. اسودّت الدنيا في وجهه… ويرى ظلامًا يحيط به من كل جهة دون أي بصيص من نور. يبكي في زاوية من زوايا غرفته… يبتعد عن الجميع، لا يحب سماع أي كلمة من أي كان… وحدة وغربة وألم… حتى إنه لا يفكر بالبحث عن أي حل، لأنه وبسبب نظرته السوداء لا يرى في الأفق القريب أيّ حل…

نحن لا نعلم الغيب… ومن الغيب أشياء تنتظرنا بعد لحظات أو دقائق أو أيام… ما يدريك ما ينتظرك في أيامك القادمة؟ أنت لا تدري ومن حولك أيضًا لا يدرون ماذا كُتِبَ لك ولهم من فرح وسعادة أو حزن وبلاء. فماذا نفعل؟ ماذا يفعل الذكي الفطن صاحب العقل الراجح؟

الجواب أن يقوم من زاوية الحزن التي يقبع بها، ويستعين بالله. يسأل الله فرجًا قريبًا ويعمل بالأسباب… يبحث عما هو بحاجة إليه بحرص ومسؤولية!

أخبرني صديقي عن ابنه الشاب الذي كان ينوي الزواج وارتبط بفتاة طيبة من أسرة متواضعة قبلوا به خطيبًا لابنتهم رغم علمهم بفقره وعجزه المادي عن الزواج في وقت قريب… مع هذا، قبلوا به لعلمهم بأخلاقه الطيبة وسيرته الحسنة، وقالوا: لعلَّ وضعه يتحسن مع الوقت ويتم زواجه من ابنتهم ولو طال الزمن.

أمضى عمر، ابن صديقي، وقتًا طويلًا يبحث عن عمل يناسب شهادته الجامعية لكن دون الوصول للمطلوب، اشتد حزنه وألمه وضاقت عليه الدنيا وفقد الأمل… لكن والده كان يقف إلى جانبه دائمًا يشد من عزيمته… ينصحه بالصبر وأن يستمر بسعيه للحصول على وظيفة ولو لم تكن ضمن اختصاصه… وصبر عمر… وطرد تلك الأفكار المؤذية من رأسه، ومضى يتابع البحث عن عمل هنا وهناك…

منذ أسابيع التقى عمر بأحد أصدقائه وأخبره عن وضعه وأحواله، وكانت الفرحة التي انتظرها عمر منذ زمن طويل! الشركة التي يعمل بها ذاك الصديق بحاجة لموظف. سارع صاحبنا لتقديم طلبه للعمل في تلك الشركة… فقُبِلَ طلبه والتحق بالوظيفة، وبدأت الأحلام تتحقق شيئًا فشيئًا…

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا (3)﴾ سورة الطلاق.

الصبر على الشدائد أمر عظيم… التوكل على الله يريح النفس ويحميها من آفات كثيرة… الرزق مكتوب، قليلًا كان أم كثيرًا… الرضا بما كُتِبَ لنا يعطي القلوب الطمأنينة والثبات، وانتظار الخير الذي قد يصل في أي وقت أمر محمود… فقط لنصبر ونشكر ونتوكل على الله ونَرْضَ بما رزقنا الله إياه… وإن لم نحصل في الدنيا على ما نريد، ففي الآخرة للصابرين أجر عظيم.

كمال… سائق سيارة أجرة، يعمل طول النهار وشيئًا من الليل لتأمين أجرة السيارة ونفقته ونفقة أهله. تعطلت سيارته وكان بحاجة لمبلغ من المال لإصلاحها… سأل الأصحاب والجيران مساعدته ولم يجد عند أحدهم حاجته… قصد إخوته الأثرياء ولم يلق عندهم أي قبول لطلبه… بعد فترة من توقفه عن العمل، اتصل به أحد زبائنه يطلب منه إيصاله إلى منزله في إحدى القرى… اعتذر منه وأخبره بحاله، فطلب الزبون من كمال أن يحضر إليه وأعطاه ما يكفي لإصلاح سيارته… وقال له: متى صرت جاهزًا عُد إليّ لتقوم بإيصالي كالمعتاد إلى منزلي في تلك القرية.  

ذهب كمال إلى منقذه بعد فترة من الزمن ليشكره على مساعدته، فطلب منه صاحبنا أن يوصله إلى شركة لبيع السيارات. أخذه إلى هناك، وكانت مفاجأة لم يتوقعها كمال ولم يكن حتى يحلم بها! اشترى له صاحبه سيارة جديدة، قال له: هذه لك، عندما أحتاجك أتصل بك لتوصلني حيث أريد.

لم يصدق كمال ما يحصل معه وخاف أن يكون في الأمر لعبة ما… أو أن يكون لصاحبه هدفًا من وراء كل هذا… لكن هذه فرصة، ولن يضيّعها!

مضى على هذه الحادثة سنوات، وما زال كمال مستغربًا مما حصل. ما زال يقول… ترى لماذا اشترى لي السيارة؟ الأمر بسيط، الله يرزق من يشاء بغير حساب…  

أحيانا تشتد الأزمات على الإنسان… فيكثر همّه وغمّه، ثم يأتي الفرج من حيث لا يحتسب…

قصص الناس كثيرة، منها ما يُفرح، ومنها ما يملأ القلب حزنًا وألـمًا… في كل أحوالنا لا نفقد الأمل بأن يكون غدنا أفضل من يومنا… ولنصبر دائمًا في كل أحوالنا ولنقل دائمًا لعل الفرج قريب…█