من نصائح المحدث الشيخ عبد الله الهرري

والمنافس هو أخي

غالبًا ما يتعجب الأهل من اختلاف أولادهم رغم أنهم تربوا ضمن أسرة واحدة وتبعًا لطرق تربية متشابهة. وهنا تلعب المنافسة دورًا مؤثرًا في تنمية مهارات الأولاد ونشأتهم. ولعلها تعتبر من أبرز العوامل المسببة لاختلافهم ضمن الأسرة الواحدة. 

سبب واحد ونتائج عدة

وأسباب التنافس كثيرة يحتل الأهل المرتبة الأولى منها حيث يخشى بعضهم اختلاف الولد الثاني عن الأول من حيث السلوك والشخصية. لذا تتسارع العبارات التالية إلى ألسنتهم عند التخاطب مع الولد الثاني: “كن ذكيًا كأخيك” أو “أخوك ينصت إلينا عندما نتحدث إليه” أو “يبرع أخوك في مادة العلوم، فلم لا تكون مثله؟” وتكون النتيجة بالتالي “المنافسة” التي تدفع بالولد الثاني إلى التركيز على مهارة في حقل معين كالشطرنج أو كرة القدم أو الرسم أو الكتابة أو السرعة في الركض والعمل جاهدًا على البراعة في اكتسابها وتطبيقها. وكل ذلك أملًا بإرضاء رغبة الأهل عبر التميّز في شىء مختلف عن أخيه وفي إبقاء أخيه بعيدًا عن المهارة التي تميّز هو بها ليبقى سيدًا لها وحده.

لكن احتمال آخر قد يظهر في الساحة -الجانب المظلم للمنافسة ألا وهو محور المقالة بين يديك- حيث إما أن تتهشم ثقة الولد بنفسه فيحبط ويؤدي به ذلك إلى الفشل في اكتساب أية مهارة- مع العلم أن بعض الأولاد قد يتعمد الفشل بسبب الغيرة من مدح الأهل للولد الأول- أو قد يؤثر عليه بسلبه السلوك الحسن المرجو من قبل الأهل فيسيء التصرف لعدم القدرة على التنافس.

ولتوضيح هذا الجانب إليكم الآتي:

يعتبر تفاوت الفئة العمرية للأولاد ضمن الأسرة الواحدة من الأسباب التي تجعل المنافسة سببًا للفشل!

أ. مع فارق سنة واحدة أو سنتين

ولو اعتمدت التربية ذاتها مع الولدين اللذين تفصل بينهما سنة واحدة أو سنتين كلاهما سيتحمل وطأة التنافس حيث يتوقع الأهل منهما البراعة. عندها يظهر فارق السن ذاك مؤثرًا على الأصغر سنًّا كوسيلة ضغط. حينها يشعر أن وظيفته -بحسب اعتقاده- أن يكون صورة طبق الأصل عن أخيه الأكبر لذا يحس بقلة الحيلة. أما الأكبر فيشعر بثقل كاهله من المنافسة. فهو أيضًا ودائمًا يتطلب منه أن يكون عند حسن ظن أهله وقدوة لأخيه الأصغر. ولكن هاتين الصفتين تأتيان لصالحه مساعدتين له على تعزيز ثقته بنفسه أكثر من أخيه الأصغر.

ب. على خطى أخ أكبر متميز

عندما يبرع الأخ الأكبر في حقل ما يتميز حاصدًا الجوائز والتقديرات والفرص التربوية ويحاط غالبًا باعتناء الأهل والمدرسة. عندها يعتبر “المعيار” في الأسرة ويخط سير تربية إخوته من بعده. لذا توضع توقعات عالية تزرع في أنفس بقية الإخوة الآتي: “إذا أردتم أن تحصلوا مستوى العناية كالمعطاة لأخيكم تألّقوا كتألّقه”! وقد يسبب ذلك قلقًا لدى الإخوة حتى ولو كانوا على مقدرة من تحقيق المتوقع. ومصدر القلق الشعور بالعجز عن التوصل إلى ما حققه الأخ الأكبر فيعمدون عندها إلى إساءة التصرف كافتعال المشاكل والمشادات مع إخوتهم وغيرهم لجذب انتباه الأهل!

ج. “الطفل” في الأسرة

يقول الأهل عادة: “ولو كبر فادي سنراه دائمًا “الأصغر”! لهذه العبارة صدى خاص عند “فادي”. فهي وإن دلت على منزلة خاصة له عند والده ووالدته تراها غائبة عند فادي لأنه منهمك بالمنافسة التي وللأسف قد تقوده إلى الفشل.

ما الحل؟

نعم للأهل دور رئيس في إبقاء التنافس ضمن المطلوب لأنه أساسي لاستمرار الأولاد في التقدم الذي ينفع الأسرة فالمجتمع فالوطن.

أ. التوجيه والتشجيع

كما أن الفروقات الوراثية بين الأولاد ضــمــن الأســرة الــواحــدة ظـاهـرة الاختلاف، وإن التباين في القدرات بينهم واضح. أثبتت بعض الأبحاث أن الأخ الأصغر يحتل غالبًا المرتبة الثانية في النجاح بعد الأخ الأول وذلك للتالي: يسيطر الأخ الأكبر على الأصغر -لا شعوريًا- فهو يطلب منه المساعدة لتنفيذ أفكاره أو لتتمة مهام أوكله إياها والداه. لذا لا يبتكر الأخ الأصغر ولا يؤسس ولا يتمّم أمورًا خاصة به. بل وقد يخشى ذلك نتيجة لاحتمال فقد مدح أخيه الأكبر له كونه مساعدًا لا مبادرًا. فينتهي الأمر بفشله! لذا لا لتصنيف الأولاد بتسميتهم “ذكيًا أو محببًا أو مرحًا أو أنيقًا” ومثل ذلك. بل ليعمد إلى التدقيق: “بأي مجال يبرع ولدي ذهنيًا وجسديًا”؟ ثم توجيه العناية إلى ذلك دون اعتماد المقارنة بين الأخوة فلكل مقدرته! ويعمد إلى مساعدة الولد على التميّز في ذلك الحقل والتشجيع عند إتمام كل خطوة ولو كانت صغيرة.

ب. العلم أولًا

الذكاء يكتسب أو يصقل. ومما يساعد على ذلك تعلّم الضروريات التي لا ينبغي جهلها لخوض هذه الحياة. فإذا ما اعتنى الأهل بذلك أصبح أولادهم أذكياء فاقتصر تنافسهم على جانبه الناضج.

ج. القدوة

تبادل المودة والاحترام بين الوالد والوالدة وتشجيع الوالدة للوالد على النجاح في عمله وثناء الوالد على عملها في المنزل أو خارجه من شأنها رسم قدوة جيدة للأولاد. عندها ينتشر السلوك في المنزل سائدًا جو التنافس.

عزيزي القارئ للتنافس البناء حلو الثمر: الفلاح. فلنزرعه في أنفس أولادنا فهم مستقبل الغد.█