من نصائح المحدث الشيخ عبد الله الهرري

عندما يحاور الاختلاف

تخيّلوا الصورة: منهاج على مدار العام ووظيفة سلمى كمعلمة للصفّ الرابع تغطيته بالكامل.. هو صفّ احتضن الصامت والثرثار والمتطاوع والمعارض والكسول والمجد واللطيف والعدائيّ وغير ذلك… وعلى سلمى أن تخاطب الجميع وتحاورهم كلا بحسب شخصيته وتشرح وتوجّه وتصحّح وتعلّم وتمتحن. 

أتخيّلتم الصورة؟ مُنْهِكة أليس كذلك؟

لنساعد سلمى على مخاطبة الاختلاف بآداب الحوار والتّعامل. وهنا سنركّز على خمس شخصيّات تسود غرف الصّف غالبًا وهي: التلميذ الثرثار والـمـعـارض والـمـجـادل والـمـتـبـاكـي والمتشبث.

  أ‌- الثرثار:   

وهو كثير الكلام لمجرّد الكلام والمقاطعة لا للكلام لهدف وحوار بنّاء.

. 1 الصمت:

يُعدّ صمت المعلمة ولو لبرهة قصيرة جدًا مانعًا عند كثرة الثرثرة. فمن شأن صمتها إيقاف كلام التلميذ دون إبداء أي ملاحظة. بل يوجّه انتباه الثرثار إلى المعلمة والمتابعة معها، وحتى لو نادت المعلمة باسم التلميذ الكثير الكلام فقط لتصمت بعده دقيقة قبل أن توجّه إليه الإرشادات المراد تحقيقها.

. 2 الملاحظات الجيدة:

إعطاء ملاحظة جيدة وإتباعها بـ “شكرًا” كـ: “هادي، تابع القصّة معنا، شكرًا لك”، عوضًا عن: “اصمت! لم الكلام الكثير؟ لم تقاطع العمل؟” وغيرها من الملاحظات التي تركّز على السلوك غير المرغوب هي كفيلة بإيقاف ذاك السلوك.

. 3 التركيز:

تركيز المعلمة على الهدف -هدف الدرس- بعيدًا عن الجدال يساعدها على المحافظة على الوقت وتطبيق الهدف والتوجه إلى السلوك. مثلًا، إذا ما نادت المعلمة للثرثار أو صمتت لجذب انتباهه أو اعتمدت أي أسلوب آخر غالبًا ما يقول التلميذ: “نحن نتكلم عن الدرس”! عندها تجيب: “نعم، لكنني أريدك الآن أن تنظر إلى الأمام وتستمع، شكرًا، إنني متأكدة أنك ستحتاج إلى سماع ما أقوله من المعلومات”.

  ب‌- المعارض:   

لتلافي الانجراف في نقاش ضمن صراع ذي طرفين التلميذ المعارض للعمل وأنت فننصح بالآتي:

. 1 الاختيار:

إعطاء التلميذ الخيار مع تحميله عواقب اختياره، مثلًا: “إذا اخترت أن لا تعمل معنا الآن ستطبّق الهدف لاحقًا في وقت فراغك -كالفسحة أي الفرصة-“. استعمال كلمة “اخترت” مهمّ لإيصال الفكرة التالية للتلميذ: أنت تختار تصرّفك وأنت مسؤول عنه.

. 2 الفرصة:

إعطاء التلميذ فرصة لتعديل سلوكه غير المرغوب فيه حفاظًا على “ماء الوجه” أمام أقرانه من شأنه أن يعين المعلمة على التحاور مع التلميذ المعارض للعمل. فبعد أن تخاطبه بملاحظة تحوّل انتباهها إلى تلميذ آخر لتفسح له المجال بمشاورة نفسه ومن ثم التجاوب معها.

. 3 الترميم:

بعد تجاوب التلميذ المجادل ترمّم العلاقة بابتسامة أو بإعطاء ملاحظة بنّاءة لإفهامه أن الأمور عادت إلى مجاريها وأن العلاقة بينه وبين المعلمة ما زالت على ما يرام.

  ج‌- المجادل:   

يتحدّى التلميذ المجادل عادة طلبات المعلّمة ومع تحدّيه تتفاقم الأمور الاعتيادية إلى مشاكل واختلاف آراء أكثر حدّة من تلك مع التلميذ المعارض، وللحوار فننصح بالآتي:

. 1 التمييز:

أحيانًا تنشغل المعلمة بنظرة أو كلمة أو لغة أو إشارات جسدية تصدر من تلميذها فتشغلها عن الهدف التربويّ الرئيسيّ. لذا لتنتبه المعلمة وتتجنّب الانجراف عن مسارها التعليميّ. فإذا ما كانت تلك الأمور -أي ما يصدر من التلميذ المجادل- في خضمّ الشرح والتطبيق تؤثر على اكتساب التلاميذ للأهداف فلتتغاض عنها. وذلك عندما تقول المعلمة: “أمعك قلم يا مازن؟” فيرد مازن بجملة تسبّب الجدال: “ألا ترين عكس ذلك؟”.

هنا تتجاهل المعلمة الإساءة حفظًا للوقت والهدف على أن تخاطب بشأن السلوك لاحقًا.

. 2 التجنّب:

من الشّاق على أي معلمة أن تتجنّب أي مؤشر يدلّ على إساءة أدب من قبل التلميذ. لكن من المطلوب من المعلمة أن تتجنب ردّات الفعل التي تخرجها عن طورها أو التي من شأنها أن تزيد من حدة الجدال لا العكس. وتحاول أيضًا أن تبقي نفسها والطالب في هدف الحصّة التعليمية.

. 3 المتابعة:

صحيح أن تجاهل الأمور الثانوية أو بعضها فعّال أحيانًا أكثر من ذكرها. لكن للمعلمة أن تخطط لحوار مع التلميذ المجادل بعد الحصّة التّعليميّة لتبيان المشكلة وتحجيمها بهدف التخلص منها بعيدًا عن الصف.

  د‌- المتباكي:    

كالمجادل تؤثر ردّات فعل المتباكي داخل الصف على سير العمل أكثر من تأثير السبب الرئيسي لتباكيه عليه. لذا من المساعد استدعاء المتباكي إلى حوار خارج غرفة الصف على الشكل التالي:

. 1 الدقة:

بدقة واعتناء تخطط المعلمة لحوار مع التلميذ وتعلمه بالموعد إما قبل انتهاء الحصّة التعليمية أو قبل قرع جرس الفرصة وذلك لتلافي السؤال المشهور “ماذا فعلت؟”.

. 2 الأسلوب الجيد:

يبقى الأسلوب الجيد الصفة الرئيسة لتحفيز التلميذ وإرشاده بعيدًا عن التهديد والوعيد.

. 3 المرآة:

لتكن المعلمة مرآة لتلميذها كما هو مرآة لها، تعكس له بشاعة تصرّفه وإساءته والنقيض. فكثير من التلاميذ لا يفقهون أن ما يرتكبونه مسيء إلى المعلمة. وكثير منهم كذلك لا يتعمد الإساءة فعلًا. فتوضح

المعلمة وتشرح له تأثير إساءته على العلاقة بينهما كمعلمة وتلميذ وعلى سير العمل داخل الصف.

 هـ‌- المتشبث بالمعلمة:  

نادرًا ما يبادر هذا النوع من التلاميذ إلى العمل دون أن تساعده المعلمة. ولمعالجة هذا السلوك:

. 1 التجاهل:

تجاهل التلميذ المتشبث في بدء الأمر من شأنه مساعدته على التخلص من سلوكه. فمثلًا، إذا ما كانت المعلمة تعتني بتلميذ آخر تجاهلت مطالب المتشبث لاطلاعها على عمله أو ورقته أو غير ذلك. لكن بعد برهة وإذا جلس المتشبث على مقعده وانتظر دوره، بادرت المعلمة بحماس لرؤية عمله لتكافئ سلوكه المتحسّن.  

. 2 العون:

توجّه المعلمة المتشبث لطلب العون من ثلاثة تلاميذ آخرين أو أقل قبل أن يلجأ إليها. عندها يتعوّد تدريجيًا على الاستقلال عن المعلمة.

صمت وإيماء وتجاهل وملاحظة، كلّ منها آداب متنوعة لمحاورة أنماط مختلفة من المتعلمين. فيا معلمة بادري إليها وتذكري “لكلّ مقام مقال”.█