من نصائح المحدث الشيخ عبد الله الهرري

ما بين الحضارة والحقارة

الحضارة هي مفهوم مركب تظهر آثاره في سلوك الإنسان وإنتاجه، فالكثير من الحضارات القديمة حكم عليها بفعل ما تركته من موروث فكري وسلوكي، فمنها ما وصف بالهمجية ومنها ما وصف بالرقي، وبالتالي كلما ازدادت منافع الإنتاج الفكري وتجلت آثاره في سلوك الأفراد في المجتمع، رجحت كفة تصنيف الحضارة المعنية بالرقي والمنفعة. والحضارة هي جزء أساس من هوية الأفراد، فغالبًا ما تترك القيم والمفاهيم التي يتربى عليها الفرد بصمة واضحة في بنيان شخصيته ودوافع وقواعد وضوابط سلوكه.  فمن تلقى في تربيته وزرع في نفسه منذ طفولته أن يرتكب كل أنواع الشرور ليبلغ مراده تحت عنوان مرفوض “إن الغاية تبرر الوسيلة”، لن يجد في نفسه رادعًا يمنعه من السرقة والقتل وما بينهما لبلوغ مراده من المال والسلطة ونحوهما. ومن أخطر وأبرز التحديات التي تواجه مجتمعاتنا اليوم في ظل تلاشي الحدود وطفرة الإعلام والتضخم الهائل في وسائل التواصل، هو نقل المفاهيم المغلوطة والمعادلات التدميرية إلى أذهان ونفوس شبابنا. فالكم الهائل من المواد الإعلامية وما يسمى أحيانًا الترفيهية، يحمل في طياته آفات اجتماعية كفيلة بأن تدمر المجتمع وتنأى به عن أي شكل من أشكال الحضارة. فتحت العناوين المزيفة “كالتحرر” و”الموضة” نجد الدعوة للعري، ولا يقبل عاقل أن يكون العري من الحضارة!!! وإلا لكانت البقر سبقت مدعي الحضارة بأشواط فلم يسبق للبقر أن لبست ثيابًا، وتحت عنوان بلوغ ما يسمونه “سن الرشد” نجد الدعوة إلى عقوق الوالدين وتركهم والعيش بمعزل عنهم وقطيعتهم!! وتحت عنوان “التجربة” نجد التشجيع على تعاطي المخدرات وما يشبهها… وهذه الطامات لا تمت للحضارة بصلة. فشتان ما بين الحضارة والحقارة، وشتان بين أن يُزرع في نفوسنا منذ الصغر حب الخير للغير، والتعاون على كل ما فيه خير وترك كل شر وأمر الناس بتركه، عملًا بقول الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ سورة آل عمران/110، وبين أن يُزرع في نفوسنا ارتكاب الموبقات للوصول إلى اللذات والشهوات الدنيئة. في الختام إن التاريخ الذهبي والحضارة الإسلامية الناصعة التي ورثناها عن أسلافنا، إنما وصلوا إليها باتباعهم نهج وأوامر سيدنا وقائدنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتركوا لنا كنوزًا من العلم النافع في ديننا ودنيانا، التي تركت أثرًا طيبًا في بناء مجتمعاتنا وسلوك أفرادنا، كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق”، ومكارم الأخلاق هي مفتاح ضبط وردع سلوك كل مسلم يعمل بمقتضى حديث الرسول، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس” فلما عمل المسلمون بمقتضى هذا الحديث وغيره تركوا لنا دررًا في علوم الدين والدنيا تنفعنا في دنيانا وآخرتنا.█